الطفيل بن عمرو الدَّوسيُّ ....(اللهم اجعل له آية تُعينُهُ على ما ينوي من الخير) دعاء الرسول له

الطفيل بن عمرو الدَّوسيُّ

الطفيل بن عمرو الدَّوسيُّ ، سيد قبيلة دوسٍ في الجاهلية ، وشريف من أشراف العرب ، وواحد من أصحاب المروءات المعدودين ... لا يوصَد له باب أمام طارق ولا تنزل له قدر عن نار.... يُطعم الجائع ، ويؤمِّن الخائف ، ويجبر المستجير . وكان شاعر مرهف الحس ، رقيق الشعور ، بصير بحلو البيان ومرِّه ......حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر . غادر الطفيلُ منازل قومه في تهامه - وهي السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر-متوجهاً إلى مكة، ورحى الصراع دائرة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وكفار قريش ، فكان رسول الله يدعو إلى ربه وسلاحه الإيمان والحق ، وكفار قريش يقاومون دعوته بكل سلاح ، ويصدون الناس عنه بكل وسيلة . ووجد الطُفيل نفسه يدخل في هذه المعركه على غير استعداد ، فهو لم يقدم إلى مكة لهذا الغرض ، ولا خطر له أمر محمد وقريش قبل ذلك على بال . ومن هنا كانت للطفيل بن عمرو الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى ....فلنستمع إليها ، فإنها من غرائب القصص!!!

قدوم الطفيل مكة

حدَّث الطفيل قال : قدمت مكة ، فما ان راني ساده قريش ، اقبلوا عليَّ فرحبوا بي أكرم ترحيب ، وأنزلزني فيهم اعز منزل. ثم اجتمع إلي سادتهم وقالوا : ياطفيل ، إنك قد قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ، ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمعنَّ منه شيئا ، فإن قوله كالسحر ، يفرق بين الولد وأبيه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها . إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يقصون عليَّ من غرائب أخباره ، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعت أمري على ألا اقترب منه ، ولا أكلمه ولا أسمع منه . ولما غدوت إلى المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها ، حشوت في أذني قطناً خوفاً من أن يلامس سمعي شيئاً من قول محمد . لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائماً يصلي صلاة غير صلاتنا ، ويتعبد عبادة غير عبادتنا ، فأسرني منظره ، وهزني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه شيئاً فشيئا على غير قصد مني حتى وصل سمعي بعض مما يقول ، فسمعت كلامه كلاماً حسنا ، وقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا طفيل ....إنك لرجل شاعر ، وما يخفى عليك الحسن من القبيح ، فما يمنعك أن تسمع كلامه ....فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته . قال الطفيل : ثم مكث حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل داره دخلت عليه وقلت : يامحمد إن قومك قالوا عنك كذا وكذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك حتى سددت أذني بقطن لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يُسمعني شيئاً منه ، فوجدته حسناً فأعرض عليَّ أمرك . فعرض علي أمره ، وقرأ سورة الإخلاص والفلق ، فوالله ما سمعت قولا أحسن من قوله ، ولا رأيت أمرا أعدل من أمره . عند ذلك بسطت يدي إليه ، ونطقت الشهادتين ودخلت في الإسلام. قال الطفيلُ : ثم أقمت في مكة زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام وحفظت فيه ما تيسر لي من القرآن ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت : يارسول الله ، إني امرؤٌ مطاعٌ في عشيرتي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً فيما أدعوهم إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعل له آية )

ذهاب الطفيل الى قومه ودعوته لهم

فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرفٍ على منازلهم وقع نورٌ فيما بين عيني مثل المصباح ، فقلت : اللهم اجعله في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها عقوبة وقعت في وجهي لمفارقة دينهم ... فتحول النور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الناس يتراءون ذلك النور ودفي سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية فلما نزلت ، أتاني أبي -وكان شيخا كبيرا- فقلت : إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني . قال ولم يا بُني ؟ قلت : لقد أسلمت واتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم. قال : أي بني ، .يني دينك ، فقلت : اذهب واغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال أعلمك مما عُلِّمت . فذهب واغتسل وطهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. ثم جاءت زوجتي فقلت : إليكِ عني فلست منك ولست مني قالت : ولم !!؟ بأبي أنت وأمي ، فقلت : فرق الإسلام بيني وبينك ، فقد أسلمت واتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم. قالت : فديني دينك ، قلت فاذهبي فتطهري من ماء ذي الشرى - وهو صنمٌ لدوسٍ حوله ماء يهبط من الجبل - فقالت : بأبي أنت وأمي ، اتخشى على الصبية شيئاً من ذي الشرى ؟! فقلت تبا لك ولذي الشرى....اذهبي واغتسلي هناك بعيداً عن الناس ، وأنا ضامن لك ألا يفعل هذا الحجر الأصم شيئاً. فذهبَت واغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوساً فأبطؤوا عليَّ إلا أبا هريرة فقد كان أسرع الناس إسلاما . قال الطفيل : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، ومعي أبو هريرة فقال له (ما وراءك يا طفيل ) فقلت : قلوب عليها أكنة وكفرٌ شديد ....لقد غلب على دوسٍ الفسوق والعصيان . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتين ورفع يده إلى السماء ، قال أبو هريرة: فلما رأيته كذلك خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا ...فقلت واقوماه..... لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقول ( اللهم اهد دوساً..... اللهم اهد دوساً... اللهم اهد دوساً....) ثم التفت إلى الطفيل وقال ( أرجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام ) قال الطفيل : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضت بدر وأحد والخندق . فقدمت على رسول الله ، وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر فقلنا : يارسول الله اجعلنا ميمنتك في كل غزوة تغزوها واجعل شعارنا « مبرور » .قال الطفيل : لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة ، فقلت يا رسول الله ، ابعثني إلى «ذي الكفين» ... صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه .. فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فسار إلى الصنم في سرية من قومه وهم بإحراقه فاجتمع حوله الناس يتربصون به الشر ، وينتظرون أن تصعقه صاعقه ، لكنه أقبل على الصنم على مشهد من عُبَّاده .... وجعل يضرم النار في فؤاده ...وهو يرتجز :
يا ذا الكفين لست من عبادكا
ميلادنـــا أقدم من ميـــلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا

وبعد إلتهام النار للنصم ، أسلم القوم جميعاً وحسن إسلامهم .
ظل الطفيل بن عمرو الدوسي بعد ذلك ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قُبض إلى جوار ربه.

استشهاد الطفيل بن عمرو الدوسي

ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعة جيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ، ومعه ابنه عمرو .
ولما ألت الخلافة من بعده إلى صاحبه الصديق وضع الطفيل نفسه وسيفه وولده في طاعة خليفة رسول الله .
قال رأيت أن رأسي قد حلق ، وأن طائرا خرج من فمي ، وأن امرأة أدخلتني في بطنها ، وأن ابني عمرا جعل يطلبني حثيثا لكنه حِيل بيني وبينه.
وفيما فو في طريقه إلى اليمامه رأى رؤيا ، فقال لأصحابه : إني رأيت رؤيا فعبِّروها لي . فقالوا وما رأيت فقالوا خيرا... فقال أما أنا-والله- لقد أولتاه:
وأما الطائر الذي خرج من فمي فهو روحي ...وأما المرأة فهي الأرض تُحفر لي فأُدفنُ في جوفها .... وإني لأرجو أن أُقتل شهيدا...
أما حلق رأسي فذلك أنه يُقطع .... وأما طلب ابني لي فهو يعني أنه يطلب الشهادة التي سأحظى بها -إذا أذن الله -لكنه يدركها فيما بعد .
وأما ابنه عمرو فما زال يقاتل حتى اثخنته الجِراح وقُطعت كفه اليمنى فعاد إلى المدينة مخلُّفاً على أرض اليمامه أباه ويده ..
وفي معركة اليمامه أبلى الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو أعظم البلاء ، حتى خر صريعا شهيدا على أرض المعركة.
فقال عمر : والله لا أذوق هذا الطعام حتى تخلطه بيدك المقطوعه .... والله ما في القوم أحدٌ بعضه في الجنة إلا أنت (يريد بذلك يده).
وفي خلافة عمر بن الخطاب ، دخل عليه عمرو بن الطفيل ، فأُتيَ بطعام للفاروق ، والناس جلوس عنده ، فدعا القوم إلى طعامه ، فتنحى عمرو عنه ، فقال له الفاروق : مالك ؟! لعلك تأخرت عن الطعام خجلا من يدك ، قال : أجل يا أمير المؤمنين..

استشهاد عمرو بن الطفيل

ظل حلم الشهاده يلوح لعمرو منذ وفاة أباه ، فلما كانت معركة اليرموك ، بادر إليها عمرو مع المبادرين ومازال يقاتل حتى أدك الشهادة التي منَّاه بها أبوه.
رحم الله الطفيل بن عمرو الدوسي ، فهو الشهيد وأبو الشهيد .

من كتاب :

صور من حياة الصحابة

اكتب تعليق

أحدث أقدم